سورة الأعراف - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


أخاهم: تعني هنا أُخوة الجنس: السفاهة: خفة العقل. بسطة: سعة قوة. آلاء الله: نِعمة احدها أَلا وإلى. رجس: عذاب الغضب: الانتقام. المجادلة: الممارة والمخاصمة السلطان: الحجة والدليل الدابر: الآخِر، يعني أهلكناهم جميعا.
تعرض هذه الآيات قصة هودٍ مع قومه، قومٍ عاد، فقد كانوا عباد أوثانٍ، منازلُهم في الأحقاف- وهو الرمل- بين عُمان وحضرموت. وقد رزقهم الله القوة والغنى، فلمّا جاءهم هودٌ بالرسالة من عند ربه ليوحّده، ويكفّوا عن الإفساد في الأرض، أبوا ذلك، وكذّبوه، وأصروا على عبادة اصنامهم.
ولقد قال لهم: يا قوم، اعبُدوا الله وحده، ليس لكم إله غيره، {افلا تتَّقون} أي تخسون الله، علّه ينجيكم من الشَّرِ والعذاب.
{قَالَ الملأ الذين كَفَرُوا}.
فأجاب ذَوُو الزعامة والصدراة من قومه: انا لَنراك في خِفّة م العقل، وضلالٍ عن الحق، كيف لا وقد تركتَ ديننا، ودعوتَنا هذه الدعوة الغريبة!! إنا لَنعتقدُ أنك من الكاذبين.
قال: يا قوم، ليس بي في الدعوة أيُّ قدرس من السفاهة ولست بكاذبٍ، بل أنا رسول اليكم من ربّ العالمين، جئتكم بالهداية التي تخلًّصكم.
{أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ}.
إنني أنقُل اليكم أوامر ربي ونواهيه، وامحضكم النصح الخالص ولست من الكاذبين.
{أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ على رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ}.
هل أثار عجبكم واستغربتم ان يجيء إليكم تذكير بالحقّ من ربّكم على لسان رجلٍ مكم يخّوفكم عقابَ الله حتى تتركوا ما انتم عليه.
ثم اشار إلى ما أصاب المكذِّبين الذين سبقوهم، وإلى نعم عليهم فقال: {واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الخلق بَسْطَةً...}.
اذكُروا فضلَ الله عليكم إذ جعلكم وارثِين للأرض من بعد قوم نوحٍ الذين أهلكهم لتكذيبهم نبيِّهم نوحاً، وزادكم قوةً في الأبدان والسلطان وكل هذه نِعم تقتضي الإيمان، فتذكّروا هذه النِعم، واشكروا الله على ذلك بإخلاص العبادة له وتَرْك الإشراك به.
لكنهم منع هذه الدعوة بالحسنى قالوا متسغربين: أجئتَنا لتدعُونَا إلى عبادة الله وحدَه، وأن نترك ما كان يعبد آباؤنا من الأصنام؟
وقد ان استنكروا التوحيد تحدَّره وقالوا: ائتِنا بالعذابِ الّذي تهدُّونا به أن كنت صادقاً في قولك ووعيدك.
فأجابهم هود على تحدّيهم هذا: {قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ...}.
انكّم لعنادكم قد حقَّ عليكم عذابُ الله يَنزِل بكم، وغضبُه عليكم. تُجادلونني في أصنامٍ سمّيتموها أنتم وآباؤكم؟ ما جعل الله من حجّة تدلّ على ألوهّيتها، ولا لها قوةٌ خالقةٌ تجعلكم تبعدونها. وما دمتم كفرتم ولَجَجْتم هذه اللجاجة فانتظِروا نزول العذاب الذي طلبتموه، ونحن ننتظر معكم.
فلما جاء أمرُنا ووقع العذابُ أنجينا هوداً والذين آمنوا معه برحمةٍ منا، فيما استأصلْنا دابر الكافرين الذين جحوا بآياتنا، حتى لم نبقِ منهم أحداً.
وهكذا طُويت صفحةٌ أُخرى من صحائق المكذبين.


ثمود: قبيلة من العرب مساكنهم الحِجر في شمال الحجاز جهةَ الشام، وهي (مداينُ صالح) وأُخوة صالح لقومه: أُخوتُه في النسب البينة: المعجزة الظاهرة الدلالة. اذكروا: تذكّروا بوأكم في الأرض: انزلكم فيها. الأرض: هي الحِجر: النحت: نجر الشيء الصلب والحفر فيه، وكانت بيوتهم منحوتةً في الجبل قطعةً واحدة، ولا يزال بقية منها إلى الآن. لا تعثوا في الأرض: لا تفسدوا. استكبروا: تكبروا. عقروا الناقة: نحروها، وعادةُ العرب في نحر الابل ان يقطعوا قوائكها فتقع على الأرض فينحروها عتَوا: تمردوا. الرجفة: الهزة تقع في الأرض، والزلزلة. في دارهم: في بلدهم جاثمين: قاعدين بلا حرااك.
وهذه قصة اخرى من قصص الأنبياء مع أقوامهم، هي قصة صالح عليه السلام ومفادها:
لقد أرسلنا إلى ثمود اخاهم صالحاً الذي يشاركهم في النسَب والوطن، وكانت دعوته كدعوة الرسُل قبله. قال لهم: أخلِصوا العبادة لله وحده، مالكم إله غيره، قد جاءتكم حجةٌ وبرهان على صدق ما أقول، وحقيقةِ ما أدعو اليه. هذه ناقةٌ ذات خَلق خاص، فيها الحُجة وهي ناقةُ الله، فاتركوها تأكل مما تُنبته أرض الله من العشب لا تتعرّضوا لها ولا تنالوها بسوء، فإذا فعلتم أخذكم شديد.
وفي سورة الشعراء تفسير أوضحُ قَسَم الماءَ الموجود في البلدة بين قومه وبين الناقة {هذه ناقةٌ لها شرْبٌ ولكن شرب يومٍ معلوم}.
ثم ذكّرهم بنعم الله عليهم، وبوجوب شكرها بعبادته تعالى وحده فقال: {واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ عَادٍ}.
تذكّروا أن الله جعلكم وارثين لأرض عادٍ، وأنزلكم منازل طيبةً في أرضهم، فصرتُم تتّخذون من السهول قصوراً فخمة، وتنحتون في الجبال بيوتاً حصينة. اذكروا نعم الله تعالى إذا مكّنكم في الأرض ذلك التمكين، ولا تيعيثوا فيها مفسدين.
وعلى ذلك أجاب أهلُ الصدارة، والزعامة، مخاطبين الذين آمنوا من المستضَعفِين متهكّمين عليهم: أتعتقدون أن صالحاً مرسَلٌ من ربّه؟ فأجابهم أهل الحق: نحن مصدّقون بما أُرسِل به صالح.
قراءات:
قرأ ابن عامر: {وقال الملأ} بالواو.
{قَالَ الذين استكبروا إِنَّابالذي آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}.
فردّ عليهم المستكبرون: إنا جاحِدون ومنكِرون لِلّذي آمنتم وصدّقتم به من نبوّة صالح هذه.
ثم لجّ العناد بأولئك المستكبرين، فتحدَّوا الله ورسوله، وذبحوا الناقة وتمرّدوا وتجاوزوا الحقدّ في استكبارهم، وقالوا متحدِّين: يا صالح، ائتِنا بالعذاب الذي وعدْتَنا {إن كنتَ من المرسَلين} عندئذ {فاخذتهم الرّجْفة} أي دمّرتهم الزلازل الشديدة، ومن ثمّ {فأصبَحوا في دراهم جاثِمين} باتوا مصعوقِين جُثثاً هامدة لا حَراك بها، واصبحت ديارهم خاوِية على عروشِها إلى الآن.
روى الامام احمد والحاكم عن جابر قال: «لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحِجر في غزوة تبوك- قال لا تسألوا الآياتِ، فقد سألها قومُ صالح، فكانت الناقةُ تَرِدُ من هذا الفَجّ، وتصدُرُ من هذا الفَجّ، فَعَتَوا عن أمر ربهم، فعقَروها وكانت تشرب ماءهم يوماً، ويشربون لَبَنَها يوما، فعقروها، فأخذتهم صيحةٌ أهمدَ اللهُ مَن تحت أديمِ السماءِ منهم».
وكان قومُ صالحٍ عربا، وصالح من أوسطِهم نسبا.
وفي البخاري «أن رسول الله لمّا نزل الحِجْر في غزوة تبوك أمرهم ان لا يشربوا من آبارها ولا يسقوا منها، فقالوا: قد عَجَنّا منها واستقينا. فأمرهم النبي الكريم ان يطرحوا ذلك العجين، ويُهْرِيقوا ذلك الماء. ثم ارتحلَ بهم حتى نزل على البئر التي كانت تشرب منها الناقة».
{فتولى عَنْهُمْ وَقَالَ يا قوم لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ الناصحين}.
قال لهم صالحٌ بعد أن جرى لهم ما جرى، فرآهم صرعى بيوتُهم خاوية، قال: يا قوم قد ابلغتُكم أوامر ربي ونواهيَه، ومحضتُ لكم النصح، لكنّكم بإصراركم على الكفر صِرتُم لا تحبّون من ينصحكم.


لوط: هو ابن أخ ابراهيم، هاجر مع عمه من العراق إلى فلسطين ثم سكن جنوب الأردن في سدوم وعامورة نم منطقة البحر الميت الآن. الفاحشة: المقصود بها هنا إتيان الذكور. مسرفون: متجاوزون حدّ الاعتدال. من الغابرين: الذاهبين الهالكين.
جاء ذِكر قصّة لوطٍ بتمامها في عدة سُوَر باختلاف يسير. وتتلخّص في أن قوم لوطٍ كانوا أهل شرْ وأذى... كانوا يقطعون الطريق على الناس، قد ذهب الحياء من وجوههم، فلا يستقبحون قبيحا، ولا يرغبون في حسن، كما قال تعالى في سورة العنكبوت: {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ المنكر}.
وكان أشنعَ عملٍ لهم هو ما اشتُهروا به من إييان الذكور، فأرسل الله عليهم العذاب ودمّر قراهم، وطمس معالمها فلم تعد تُعرف إلى الآن.
{وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الفاحشة}.
ولقد أرسلنا لوطاً نبيَّ الله إلى قومه، يدعوهم إلى التوحيد وينبّههم إلى وجوب التخلّي عن أقبحِ جريمة يفعلونها، وهي اتصال الرجل منهم بالرجل أو الغلام في مباشرة جنسية شاذة. وفي ذلك خروج على الفطرة وقد قال لهم: يا قوم، إنكم قد ابتدعتم تلك الفاحشة بشذوذكم، وفي هذا إسرافٌ ليس له مثيل في تجاوز حدود الاعتدال.
{وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قالوا أَخْرِجُوهُمْ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}.
فكان جواب قوط لوطٍ على هذا الاستنكار لأقبحِ الافعال ان قالوا: أخرجوا لوطاً هذا مع آله وأتباعه من بلدكم. إنهم يتعفّفون عن مشاركتنا في ما نفعل.
وهكذا يتجلّى الانحرافُ في جوابهم: يخرجون لوطاً وأتباعه لأنهم مستقيمون! أما الفاسقون الفاسدون، فقد بلغ من قِحَتِهِم وفُجورهم أن يفعلوا الفاحشة ويفخَروا بها، بل أن يحتقروا من يتنزه عنها.
وتأتي الخاتمة سريعا بلا تطويل ولا تفصيل: {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امرأته كَانَتْ مِنَ الغابرين}.
ولقد حقّت عليهم كلمةً العذاب، فأنجينا لوطاً وأهلَه، الا امرأته لقد رفضتْ ان تؤمن به، فكانت من الهالكين. ثم أمطرنا عليهم حجارةً مدمّرة، ومادَت الأرض بالزلازل من تحتِهم، فانظُر أيها المعتبِر كيف كانت عاقبة المجرمين.
قال الامام ابنُ القيّم في زاد المعاد: هذا لم تكن تعرفُه العرب، ولم يُرفع إليه حديث صحيح في ذلك. لكنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم انه قال: «اقتُلوا الفاعل والمفعول به».
رواه أهل السنن الأربعة بإسناد صحيح وقال الترمذي: حسنٌ صحيح، وحكم به أبو بكر الصدّيق، وكتب به إلى خالد بن الوليد، بعد مشاورة الصحابة وكان عليُّ كرّم الله وجهه أشدَّهم في ذلك.
وقد طعن ابن حَجَر في هذه الأحاديث وقال: إنها ضعيفة. ولذلك يجب على الحاكم ان يتحرّى جيدا، فإن عقوبة القتلِ أعظمُ الحدود، فلا يؤخَذُ فيها إلا بالصحيح القاطع من كتابٍ أو سُنّة متواتِرةٍ أو إجماع.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12